بعد يوم من قضية بريكست التي هيمنت على الأسواق خلال النصف الأول من العام، انتقل الاهتمام الآن إلى الانتخابات الأمريكية المقبلة. القضية الأساسية الدافعة لأهمية هذا الحدث هي احتمالية انتخاب الجمهوري المنشق، ورجل الأعمال الشهير دونالد ترامب.
وقد أثار ترامب جدلا مستمرا خلال حملته الانتخابية من خلال وجهات نظره المتطرفة والجدلية مثل فكرته لبناء “سور الصين العظيم” في جميع أنحاء أمريكا لايقاف دخول المكسيكيين الى البلاد بشكل غير قانوني لأنه يرى أن “أغلبهم مجرمون.”
الا أنه، والى جانب مقاطعه الصوتية التي لا تنسى وظهوره التلفزيوني المسلي ، فان قضية احتمالية انتخابه هي أيضا مهمة جدا للأسواق. حيث من المتوقع ان يقوم ترامب – كرئيسا ً للادارة الأمريكية – بإجراء تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية التي يمكن أن يكون لها تأثيرا
كبيرا على الدولار الأمريكي، وبالأخص من خلال جدول أعمال الحماية المقترح من قبل ترامب الذي قد يعزل الولايات المتحدة عن شركائها في التداول.
ترامب الذي لا يمكن التنبؤ به
وكما يعتبر ترامب غريبا ويتبنى وجهات نظر متطرفة جدا، ويُنظر إليه على أنه مرشح لا يمكن التنبؤ به، فان الأسواق أيضا تنظر الى احتمالية انتخابه مع قدر كبير من الشك. هل سينجح ترامب في أن يتم انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة، وبناء عليه فان من المتوقع ان يتم تضخيم شكوك السوق مما يؤدي إلى فترة حادة من “مخاطرة التداول”. وخلال هذه الفترة يمكن للمتداولين توقع عوائد مرتفعة على بعض العملات مثل الدولار الاسترالي والدولار النيوزيلندي والدولار الكندي تؤدي إلى إضعاف وترحيل استثمار رأس المال وتحريكه إلى عملات الملاذ الآمن التقليدية مثل الين الياباني. اذا انتخب ترامب وعرض الأسواق للأخطار من أزواج العملات مثل AUD / JPY، NZD / JPY، وما إلى ذلك ، فمن المرجح أن تضعف.
عادة، تعاني الدول التي يعتقد أنها تتمتع بمناخ سياسي غير مستقر من تدفق المستثمرين. ولذلك، فان الولايات المتحدة تشكل أكبر اقتصاد في العالم وكون الدولار الأمريكي يعتبر عملة احتياط عالمية، فإنه من الصعب قياس كيف يمكن خدمة هذا التدفق مع احتمالية انخفاض التداول على المدى القصير على الأقل.
وعلى الرغم من وعود ترامب لتقديم سياسة مالية أكثر سهولة مع تخفيضات ضريبية كبيرة وزيادة كبيرة في الإنفاق على البنية التحتية، الا أن سياساته التخريبية فيما يخص الهجرة والتجارة تهدد توقعات النمو التي يمكن أن تؤثر على الدولار الأمريكي.
السيناريو الأساسي
ان فوز كلينتون مع احتفاظ الجمهوريين بأغلبيتهم في مجلس النواب هو النتيجة الأكثر ترجيحا. وهذا يمثل خروجا بسيطا من المناخ السياسي الحالي، وسوف يخلق لكلينتون تحديا لتمرير السياسات. ولكن ، إذا فازت كلينتون وحقق الديمقراطيون أغلبية في مجلس النواب، فإن هذا من شأنه أن يسهل عليها تمرير السياسات.
وذكرت كلينتون عن نيتها لرفع ضرائب الشركات، وكذلك الضرائب على الأثرياء، في حين ستقوم بتوسيع برنامج اوباما للرعاية الصحية والاستثمار في البنية التحتية – وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة النمو وسينعكس ايجابيا على الدولار الأمريكي.
وان فوز كلينتون سيبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي في طريقه إلى رفع أسعار الفائدة في ديسمبر بوجود حالة من ركود المخاطر السياسية مما سيعزز الدولار الأمريكي. في الوقت ذاته، ان زوال الخطر والقلق من تجنب فوز ترامب من شأنه أيضا أن يدعم الين ويلطف من شعور المخاطرة، ويقود زوج الين الياباني والدولار الأمريكي للارتفاع.
السيناريو الخارج “الآخر”
يفوز ترامب ويحتفظ الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب مما يعطي ترامب العنان لدفع السياسة. وفي حين أن بعض سياسات ترامب مثل زيادة الإنفاق المالي إلى جانب التخفيضات على ضرائب الدخل والشركات يمكن أن تعمل لتعزيز النمو على المدى القصير، الا أن الزيادة الكبيرة في الواردات الموعودة من قبل ترامب تعمل ضد الدولار الأمريكي عن طريق زيادة أسعار الواردات وتسارع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى انخفاض في متوسط النمو في المدى الطويل.
ان فوز ترامب هو الخيار الأصعب قراءته بالنسبة لزوج الين الياباني والدولار الأمريكي، كما أن السياسات الحمائية المقترحة من قبل ترامب قد تؤدي إلى تباطؤ في آسيا وضعف أسواق السلع الأساسية.
ومن الجدير بالذكر، أنه من المعقول أن نتوقع ارتفاع الدولار مقابل اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات الغنية بالموارد الطبيعية. ومع ذلك، فإن البيئة الخالية من الخطر المتوقع إنشاؤها نتيجة فوز ترامب قد تنفي تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الامريكية في تعزيز الدولار والين ومن المرجح أن تعزز نتيجة لتدفقات الملاذ الآمن.
فوز ترامب يلقي بثقله على البيزو
في حالة فوز ترامب فان البيزو المكسيكي، على وجه الخصوص، سينخفض مقابل الدولار الأمريكي وذلك بسبب القيود المفروضة على التجارة والهجرة التي ستوضع على المكسيك حاليا، اذ ان حوالي 75-80٪ من إجمالي الصادرات المكسيكية تذهب إلى الولايات المتحدة . والخطر هو أن ترامب قد يسحب أمريكا من “النافتا ” التي وصفها بأنها “أسوأ صفقة تجارية في التاريخ”.
ان تأثير فوز ترامب على البيزو كان واضحا من خلال رد فعل العملة أثناء حملة ترامب. وكان البيزو قد ضعف فورا ردا على تصريحات مناهضة للمكسيك أطلقها ترامب في وقت سابق من العام. ولكن، عندما بدأ ترامب بالتراجع في استطلاعات الرأي على مدار الصيف، انتعش البيزو من جديد. وفي حين تتوقع أسواق الرهان الآن انخفاض احتمالات فوز ترامب، الا أن المتداولين حذرون بعد تصويت بريكست الأخير. على هذا النحو، فان على البيزو أن يجمع المزيد من المطالب كملاذ امن لاحتمال فوز ترامب في الانتخابات.
