مكتبة التداول

تعافي الاقتصاد التركي محفوف بالمخاطر

0

مما لا شك فيه إن الاقتصاد التركي استطاع التعافي بشكل ملحوظ من الأزمات التي مر فيها خلال العامين الماضيين والتي كانت ناجمة في الأساس عن تردي الأوضاع السياسية وتوتر علاقة تركيا بالدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. الأمر الذي تطلب تدخل قوي من السياسة المالية والنقدية.

في هذا التقرير، سألقي الضوء على أهم الجوانب التي قد تهم المستثمر من خلال سرد تفاصيل أهم القطاعات والتوقعات الداعمة لاتخاذ القرار الاستثماري.

استمر الإنتاج الصناعي في التعافي خلال شهر ديسمبر بارتفاعه بنسبة 1.9% على أساس شهري. وكان إنتاج المعدات والآلات والغذاء من أهم دواعم التعافي بينما تراجع معدل إنتاج المنتجات البترولية.

وعلى أساس سنوي يظهر الرسم البياني التالي تعافي قوي لمعدل الإنتاج الصناعي في ديسمبر 2019 على أساس سنوي بنسبة 8.6% وهي أقوى وتيرة نمو منذ فبراير 2018.

وبالتدقيق في البيانات نلاحظ أن هذا التعافي مدعوم بالأساس بمعدل إنتاج السلع الرأسمالية والوسيطة (أي السلع التي تدخل في عملية إنتاج سلعة أخرى في شكلها النهائي). وعادة ما تكون علاقة النمو الاقتصادي في تركيا قوية بمعدل إنتاج السلع الرأسمالية والوسيطة.

لا يجب إغفال أيضاً تعديلات السياسة المالية وقوة الصادرات وتعديل سياسات الإقراض التي ساهمت في تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي خلال الفترة الأخيرة.

على صعيد آخر، ارتفعت معدلات التضخم خلال يناير الماضي إلى أعلى مستوى لها في خمسة شهور بنسبة 12.15% ولكن بالرغم من هذا الارتفاع فإن معدلات التضخم بشكل عام في مسار تنازلي مقارنة بـ 25.24% خلال أكتوبر 2018 حينما كان هناك صراع بين الرئيس التركي أردوغان والمركزي التركي حول مستويات الفائدة.

رسم بياني يظهر معدلات التضخم في تركيا

فحسب البنك المركزي التركي، من المتوقع أن يستمر تراجع معدلات التضخم إلى 8.5% بنهاية العام الجاري مما يدعم احتمالات الاستمرار في خفض الفائدة هذا العام بعد قرار خفضها بنسبة 0.75% يوم 16 يناير الماضي من 12% إلى 11.25%. ويُذكر أن البنك قد خفض الفائدة خمس مرات متتالية منذ يوليو 2019 مع استمرار تراجع معدلات التضخم.

اللافت للانتباه أيضاً أن معدلات التضخم قد تخطت الهدف المحدد لها لثمانية أعوام مما يجعل الفائدة الحقيقية في تركيا عند -0.9%، أي نفس المستويات في اليابان.

كما نلاحظ أن معدل الاستثمارات الأجنبية المباشرة سجل 5.9 مليار دولار خلال 2019 بتراجع نسبته 30% وكان معظمها متركزاً في قطاع العقارات. فقد تم بيع حوالي 1.35 وحدة خلال العام الماضي حسب معهد الإحصاء التركي، وكان العراقيين والروس من أكبر المشتريين. ويلاحظ أنه لأول مرة كان الروس من ضمن أكبر خمسة مشتريين للعقارات في تركيا بزيادة نسبتها 26% عن عام 2018 وكان العامل الأساسي هو تراجع الأسعار وتراجع قيمة الليرة التركية، إضافة إلى تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية التركية. فيمكن الحصول عليها إذا تم استثمار 250 ألف دولار في قطاع العقارات مقابل مليون دولار سابقاً.

وبلغ عدد السائحين الروس حوالي 7 مليون سائح من أصل 51 مليون سائح من مختلف دول العالم خلال 2019.

وتشير توقعات البنك الدولي ألا تتعافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلا بعد عام 2021.

من ناحية أخرى، فقدت الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي و5% خلال الربع الأخير 2019 بعد التدخل التركي في سوريا. الأمر الذي قد يضغط على البنك المركزي للتقليل من وتيرة خفض الفائدة، ولهذا قد نشهد خفضاً مرة أو مرتين هذا العام.

على صعيد القطاع المصرفي، فلا يزال هذا القطاع يعاني من القرارات الأخيرة التي شملت خفض الرسوم مما أضر بأرباح البنوك، فقد تم إلغاء الرسوم المفروضة على تعاملات العملاء ومنع القطاع الخاص من تحصيل الضرائب لتصبح البنوك الحكومية فقط هي الجهة الوحيدة المنوطة بهذا الأمر. بالإضافة إلى فرض قيود على المستثمرين الأجانب المراهنين ضد الليرة التركية من خلال تقييد حصولهم على السيولة، الأمر الذي سيضر بالبنوك لأنهم يستخدمون الأسواق كوسيلة لزيادة التمويل بالليرة للإقراض المحلي.

إضافة إلى ذلك، فهناك مشروع قانون من شأنه تشديد العقوبات على التداول والتلاعب بالأسواق كجزء من إصلاحات أسواق المال في تركيا، حيث تم تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب دون استشارة المسؤولين بهذا القطاع.

فقد بلغ حجم القواعد والتنظيمات الجديدة 3,800 في 2018 مقابل 551 في 2007 حسب البنك الدولي.

وتتمثل المخاطر في استمرار فرض القيود على الأسواق المالية وفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا مع استمرار تدخلها في سوريا وعدم قدرة المقترضين على الحصول على التمويل الأجنبي. وبالرغم من أن قرارات خفض الفائدة ساعدت على زيادة الإقراض وزيادة الإنفاق الحكومي الذي أنقذ الاقتصاد من الركود، إلا أن ارتفاع حجم الدين وزيادة عجز الموازنة (الذي بلغ 123.7 مليار ليرة بنهاية العام الماضي) يزيد من العقبات ومخاطر خفض التصنيف الائتماني.

بالرغم من استقرار سعر صرف الليرة التركية نوعاً ما قرابة المستوى 6.00 إلا أن هناك أنباء تشير إلى ضخ بنوك حكومية 4 مليار دولار الأسبوع الماضي للحفاظ على تلك المستويات. وتترقب الأسواق اجتماع البنك المركزي 19 فبراير للاستدلال على توجهات البنك العام الجاري.

بوجهٍ عام، إن كنت مستثمراً في الليرة التركية، فإن حفاظها على تلك المستويات مدعوم بشكل ملحوظ بعوامل أخرى وليس عوامل اقتصادية فحسب، ولا تزال عرضة لتقلبات قوية ما لم نشهد استقراراً في السياسة النقدية وتقلص عجز الموازنة. أما إذا كنت تبحث في الاستثمار في القطاع العقاري فلا بأس ولكن يجب عليك متابعة الأحداث السياسية تلك الفترة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.