مكتبة التداول

هل سيستمر نزيف الجنيه المصري أمام الدولار؟  

0

تشهد مصر تحديات كثيرة على صعيد إيجاد حلول لأزمة شح السيولة الدولارية ولكن يعتمد إيجاد الحلول على  بناء احتياطيات من النقد الأجنبي تسمح للبنك المركزي المصري بمعالجة الأعمال المتراكمة وتوحيد سعر الصرف. ويمكن الحصول على هذه الاحتياطيات من خطة بيع الأصول، والالتزامات الإضافية بالعملات الأجنبية، والمبادرات الحكومية، مما قد يؤدي إلى زيادة السيولة بما يصل إلى 8 مليارات دولار. كما قام البنك المركزي بزيادة احتياطياته من النقد الأجنبي بمقدار 6 مليارات دولار خلال العام الماضي، ليصل الإجمالي إلى 40 مليار دولار. ومن الممكن أن تدعم هذه السيولة الجهود المبذولة لتحقيق استقرار الجنيه المصري والحد من الدولرة. 

وقد ساهم تحسن ديناميكيات الحساب الجاري، بما في ذلك المستويات القياسية للسياحة، وإيرادات قناة السويس، والصادرات غير النفطية، في تقليص عجز الحساب الجاري بشكل كبير بنسبة 72% على أساس سنوي إلى 4.7 مليار دولار. وعلى الرغم من التحديات مثل انخفاض التحويلات المالية واختناقات الواردات، فإن تعديل الحساب الجاري لا يزال يمثل تحدي قوي.  

قد تؤثر الحرب في غزة سلبًا على تحسن أوضاع الحساب الجاري من خلال التأثير على عائدات السياحة وصادرات الغاز، مع تأثير سلبي يقدر بـ 4-5 مليار دولار في الأشهر الستة المقبلة. ومع ذلك، فإنه يوفر أيضًا فرصًا للدعم الدولي، نظرًا لدور مصر الدبلوماسي والإنساني في الصراع الحالي مع دولة الاحتلال وفلسطين، والذي يمكن أن يساعد في تمويل الاحتياطي النقدي الأجنبي ويؤدي في النهاية إلى برنامج ضخم  من قبل صندوق النقد الدولي لمصر.  

وتدور المخاطر الرئيسية حول الوقت والتكلفة اللازمة لمعالجة نقص العملات الأجنبية. ويمكن أن يؤدي الحل المطول إلى مخاطر سلبية، بما في ذلك ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، وهو ما قد يكون له آثار سلبية على ديناميكيات الديون والتضخم. وقد تجاوز إجمالي مستويات الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بالفعل 40%، وقد يؤدي المزيد من انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى زيادة مستويات الدين العام إلى ما يتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تتجاوز نسبة الفائدة إلى الإيرادات أيضا 50%.  

ظهرت العديد من الاتجاهات الرئيسية من بيانات الحساب الجاري تشير إلى : 

تراجع الواردات: استمر معدل تراجع الواردات، مدفوع بعوامل مثل انخفاض أسعار السلع الأساسية العالمية، وتشديد السياسة النقدية، ومحدودية الوصول إلى النقد الأجنبي. وانخفض إجمالي الواردات بنسبة 19% على أساس سنوي في السنة المالية 2023، ليصل إلى 71 مليار دولار. ويعود هذا الانخفاض في المقام الأول إلى انكماش الواردات غير النفطية بنسبة 22%، مع بقاء الواردات النفطية مستقرة نسبيا. وفي الربع الأخير من السنة المالية 2023، انخفضت الواردات غير النفطية بنسبة 10% على أساس ربع سنوي و23% على أساس سنوي، لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات تقريبًا عند 12.9 مليار دولار. 

زيادة الصادرات: على الرغم من بيئة الاستيراد الصعبة، أظهرت مصر أداءً قويًا في مجال التصدير، لا سيما في القطاع غير النفطي. وفي حين انخفض إجمالي الصادرات بنسبة 10% على أساس سنوي في السنة المالية 2023، ظلت الصادرات غير النفطية دون تغيير تقريبًا عند مستوى تاريخي مرتفع بلغ 25.8 مليار دولار. وعلى أساس ربع سنوي، ارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 2% على أساس ربع سنوي وظلت ثابتة تقريبًا على أساس سنوي. وأدى هذا الأداء الإيجابي للصادرات إلى انخفاض العجز التجاري غير النفطي بنسبة الثلث على أساس سنوي، والذي بلغ 31.6 مليار دولار في السنة المالية 2023. 

ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الأرقام تشير إلى أنه من المرجح أن يستمر تراجع الواردات، مما يزيد من تحسن رصيد الحساب الجاري. ومع ذلك، فإن تأثير انخفاض قيمة السوق الموازية قد لا ينعكس بشكل كامل في الأرقام، وسيتعين رصد آثاره في الأشهر المقبلة. 

يتم تعزيز وضع مصر من النقد الأجنبي من خلال العديد من الاتجاهات الصحية في المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي: 

إيرادات السياحة: وصلت إيرادات السياحة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق لتصل إلى 13.6 مليار دولار أمريكي خلال العام، مدفوعة بعدد قياسي من الزوار إلى مصر. وقد ساهمت هذه الزيادة الكبيرة في دخل السياحة بشكل إيجابي في احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. 

إيرادات قناة السويس: حققت إيرادات قناة السويس أيضًا أعلى مستوى جديد على الإطلاق. وتعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار النفط وانتعاش الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى زيادة نشاط الشحن والتجارة عبر القناة. 

صادرات الخدمات: بصرف النظر عن المصادر التقليدية مثل السياحة والنقل، شهدت مصر نموًا ملحوظًا في صادرات الخدمات، خاصة في الخدمات الحكومية وغيرها من الخدمات غير المحددة. ووصلت صادرات الخدمات الحكومية إلى مستوى مرتفع قدره 2.4 مليار دولار ، متجاوزة المتوسط التاريخي بهامش كبير. ولوحظ اتجاه مماثل بالنسبة لصادرات الخدمات الأخرى غير المحددة، مما يعكس زيادة التنويع والقوة في هذا القطاع. 

وتساهم هذه الاتجاهات الإيجابية في مختلف مصادر النقد الأجنبي في ميزان المدفوعات العام في مصر وتحسين موقفها من النقد الأجنبي. 

الجدير بالذكر أن وجود سيولة كبيرة مخفية بالعملات الأجنبية في القنوات غير الرسمية أو المتراكمة خارج السوق الرسمية بين البنوك يمثل فرصة ثمينة لمصر. 

حيث تشير التقديرات إلى وجود سيولة مخفية تصل إلى 14 مليار دولار أمريكي يمكن أن يحفز عملية التخلص من الدولار ويعزز بشكل كبير سيولة العملات الأجنبية داخل النظام المصرفي في حال تم تعديل سعر الصرف في البنوك.  

تساهم عدة عوامل في هذا التقدير للسيولة الخفية: 

الودائع بالعملات الأجنبية: تشير الزيادة الملحوظة في الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك المحلية إلى وجود مجموعة كبيرة من السيولة الخفية، والتي من المحتمل أن تتراوح بين 12-14 مليار دولار أمريكي. 

التحويلات: تكشف بيانات ميزان المدفوعات في مصر عن انخفاض كبير في تدفق التحويلات في السنة المالية 2023، حيث بلغ إجماليها حوالي 10 مليارات دولار. وفي حين أن بعض هذه التحويلات ربما لا تزال تدخل البلاد عبر قنوات غير رسمية، تشير الأدلة إلى أن جزءًا كبيرًا منها لا يصل إلى مصر. إن قرار المغتربين المصريين بالاحتفاظ بمزيد من الأموال في الخارج، والذي يرجع جزئيًا إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي، وعدم اليقين بشأن الجنيه، والانخفاض الحاد في قيمة الجنيه، يخلق مصدرًا محتملاً آخر للارتياح لوضع صرف العملات الأجنبية في مصر. 

إمكانية إزالة الدولرة: تتجاوز إمكانية إزالة الدولرة المبلغ المقدر بـ 14 مليار دولار أمريكي، وربما تصل إلى 20 مليار دولار أمريكي، عند النظر في عودة سوق العملات الأجنبية إلى طبيعتها في النظام المصرفي.  

إن إطلاق هذه الاحتياطيات المخفية وتشجيع التخلص من الدولار يمكن أن يسهم بشكل كبير في معالجة تحديات صرف العملات الأجنبية في مصر وتعزيز الجنيه المصري بمجرد استقرار سوق العملات الأجنبية. 

ويمكن أن يعزى قرار المغتربين المصريين بالاحتفاظ بالمزيد من أموالهم في الخارج إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي، وعدم اليقين المحيط بالجنيه المصري، والانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري. وتمثل هذه الظاهرة مصدرًا محتملًا آخر لانعاش الجنيه المصري، خاصة بعد استقرار سوق الصرف الأجنبي. ويقدر المجمع المحتمل لخفض الدولار بأنه أكبر من التقدير الأولي البالغ 14 مليار دولار أمريكي، وربما يصل إلى 20 مليار دولار أمريكي. 

وتشير التحسينات الحقيقية في ديناميكيات الحساب الجاري في مصر، والأدلة على تراكم العملات الأجنبية داخل الاقتصاد، والاستقرار النسبي لسعر السوق الموازية، إلى أن تعديل سعر الجنيه المصري يقترب آوانه. ويُنظر إلى تراكم احتياطي السيولة في سوق العملات الأجنبية على أنه القطعة المفقودة اللازمة لتحقيق استقرار الجنيه المصري. 

وبهدف الوصول إلى نقطة استقرار نهائية تبلغ حوالي 40 جنيهًا مصريًا، يمكن أن يصبح الجنيه المصري سعرًا جذابًا للمستثمرين الأجانب. وهذا من شأنه أن يخلق نقطة دخول جذابة للاستثمار الأجنبي في مصر. 

ويعزى الارتفاع الأخير في سعر صرف الجنيه المصري في السوق الموازية إلى قوى المضاربة الناجمة عن أحداث مثل اندلاع حرب غزة والقيود المفروضة على العملات الأجنبية على بطاقات الائتمان/الخصم المباشر. وكان للانعكاس الجزئي لحدود بطاقات الائتمان لأغراض السفر تأثير معتدل على هذا الارتفاع. 

وعلى الرغم من الإشارات الإيجابية، لا تزال هناك مخاطر سلبية، بما في ذلك الشكوك المتعلقة بسعر المقاصة للجنيه المصري، وإدارة احتياطي السيولة من العملات الأجنبية، والآثار المحتملة طويلة المدى لحرب غزة، لا سيما على صادرات السياحة والغاز.

افتح حساب تداول إسلامي بدون فوائد! ابدأ الآن

Leave A Reply

Your email address will not be published.